تمكين القطاع الخاص

ما هو مفهوم تمكين القطاع الخاص؟
يُعد تمكين القطاع الخاص خطوة استراتيجية أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. وقد أعلنت مصر مؤخرًا توجهًا واضحًا لتعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، سواء من خلال المبادرات الاستثمارية أو عبر التحول التدريجي من الاعتماد على القطاع العام إلى القطاع الخاص، بما يتوافق مع الاتجاهات العالمية الحديثة.
نهاية النماذج الاقتصادية المركزية
يشير الواقع العالمي إلى أن النظريات الاقتصادية المركزية مثل الاشتراكية والشيوعية واليسار المتطرف، قد تراجعت إلى حد الزوال تقريبًا. إذ تخلت معظم الدول التي تبنتها سابقًا عن هذه السياسات بشكل شبه كامل، مع الإبقاء على دور الدولة كمنظم وحامٍ للمنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، إضافة إلى وضع الحوافز الاستثمارية والسياسات الاقتصادية المساندة.
تحديات التحول إلى القطاع الخاص
رغم أهمية التحول نحو تمكين القطاع الخاص، إلا أنه لا يوجد نموذج موحد يمكن استنساخه لجميع الدول. فكل دولة تمتلك هيكلًا اقتصاديًا وبنية تحتية مختلفة، مما يؤدي إلى تباين الاستراتيجيات ويولد بعض المقاومة من أصحاب المصالح في الهياكل التقليدية القائمة.
في مصر، يواجه التحول عدة محاذير تتطلب إدارة واعية وخططًا استراتيجية لمعالجتها.
إعادة تقييم وحدات القطاع العام
من أبرز العقبات أمام خصخصة وحدات القطاع العام هو التقييم المالي المتدني لأصولها. ويرجع ذلك إلى معالجات محاسبية مبالغ فيها في تطبيق سياسات الحيطة والحذر، إلى جانب تقدير الأصول الثابتة بالتكلفة التاريخية بعد الاستهلاك، مما يقلل من قيمتها السوقية الفعلية.
وينطبق ذلك أيضًا على أصول القطاع الخاص، إذ تُخفض بعض الأصول الثابتة إلى قيم رمزية تقترب من الصفر. كما يتم المبالغة في تكوين المخصصات، حتى على القروض المنتظمة، بدعم من تعليمات البنك المركزي المصري والجهات الرقابية.
لذلك، فإن تقييم وحدات القطاع العام قبل نقل ملكيتها للقطاع الخاص يتطلب إعادة تقدير القيمة الاستبدالية للأصول المادية والمعنوية، بما يعكس قيمتها الحقيقية.

البحث عن المستثمر الرئيسي والشريك العالمي
من الضروري البحث عن مستثمرين رئيسيين يتمتعون بخبرة فنية وتكنولوجية وتواجد قوي في الأسواق العالمية. ويفضل أن تتم مشاركة المستثمرين المحليين بعد موافقة الشريك العالمي لضمان نقل الخبرات وتكامل الموارد.
ينبغي أيضًا التركيز على الترويج للمزايا التنافسية للسوق المصري مثل:
- الموقع الجغرافي الاستراتيجي.
- الموارد البشرية المؤهلة.
- وفرة المواد الطبيعية.
- كبر حجم السوق المحلي والإقليمي.
لذلك يصبح من الضروري تدعيم أنظمة أمن المعلومات السيبراني (Cyber Security) لحماية الأفراد والمؤسسات من مخاطر القرصنة والاحتيال.
معايير اختيار الشريك الاستراتيجي
ينبغي ألا تقتصر عملية بيع وحدات القطاع العام على المزادات السعرية فقط. فقد أثبتت التجارب السابقة أن بعض المشترين استغلوا عمليات الخصخصة لأغراض المضاربة العقارية، دون أي قيمة مضافة حقيقية للناتج القومي.
بدلاً من ذلك، يجب أن يعتمد الاختيار على قدرة المستثمر على تعظيم القيمة المضافة خلال فترة زمنية طويلة، مع وضع آليات رقابية مثل «السهم الذهبي» الذي يتيح للحكومة استرداد الأصول إذا لم يلتزم المستثمر بتحقيق الأهداف المعلنة.

العوائد الاقتصادية المتوقعة من تمكين القطاع الخاص
يمكن أن يسهم تمكين القطاع الخاص من إدارة أصول القطاع العام، وفق أسس عادلة، في تحقيق إيرادات ضخمة قد تصل إلى مئات التريليونات من الجنيهات، مما قد يمكن الدولة من سداد الدين العام وخفض أعباء الفوائد والأقساط، وهو ما سيسهم في تخفيف الضغوط التضخمية وتحفيز النمو الاقتصادي.
والأهم من العوائد المالية المباشرة، هو العائد طويل الأجل المتمثل في:
- تعزيز القيمة المضافة للناتج القومي.
- دفع عجلة التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
- إعادة هيكلة المشروعات وتحديثها وفق أفضل الممارسات العالمية.
خلاصة: استراتيجية وطنية للتحول الاقتصادي
إن تمكين القطاع الخاص ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة استراتيجية تتطلب تخطيطًا دقيقًا، ورؤية شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري وفق معايير التنافسية العالمية والاستدامة.
شارك المقال
