الدعم السلعي والدعم النقدى

دعا رئيس الوزراء المصري مؤخرًا إلى فتح حوار مجتمعي بشأن التحول التدريجي أو الكلي من نظام الدعم السلعي الحالي إلى دعم نقدي مباشر للأفراد. ويأتي هذا المقترح في إطار جهود الحكومة لإصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق، لكن هناك عدة اعتبارات هامة يجب الانتباه لها قبل اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه.

مخاطر التحول إلى الدعم النقدي وفقًا للتجارب السابقة

تشير التجارب العالمية والمحلية إلى خطورة التحول الكامل إلى الدعم النقدي على الاقتصاد القومي، إذ قد يؤدي ذلك إلى ضغوط تضخمية كبيرة تتسبب في موجات متتالية من ارتفاع الأسعار. وتشير البيانات إلى أن حجم الزيادة في الأسعار قد يصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة المبالغ النقدية التي يتم ضخها سنويًا، نتيجة الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذا التحول.

صعوبة الوصول إلى جميع الفئات المستحقة

من أبرز تحديات الدعم النقدي أنه من الصعب ضمان وصوله إلى جميع المستحقين فعليًا. إذ إن نسبة كبيرة من الأفراد في مصر – تُقدر بحوالي 60% – يعملون لحسابهم الخاص أو في الاقتصاد غير الرسمي، ولا يشغلون وظائف حكومية مسجلة. كما أن نسبة حاملي بطاقات التموين لا تقل كثيرًا عن هذه النسبة، ما يجعل الدعم السلعي أكثر فعالية في الوصول للفئات الأكثر احتياجًا.

الحاجة إلى إصلاح هيكلي للاقتصاد القومي

يتطلب تطوير الاقتصاد المصري القيام بتغييرات هيكلية جذرية تقلل من سيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي، خاصةً أن تجربة القطاع العام في مصر أثبتت عدم جدواها مقارنة بالتجارب العالمية، حتى في الدول التي ابتكرت هذا النموذج مثل الدول الاشتراكية أو الشيوعية، ويجب إعادة هندسة الاقتصاد الوطني بالاعتماد على المزايا التنافسية الفريدة لمصر مثل:

  • الموقع الجغرافي المتميز (عبقرية المكان وفقًا للدكتور جمال حمدان).
  • الموارد الطبيعية المتنوعة.
  • الكوادر البشرية المؤهلة.

جذب الاستثمارات العالمية وتعزيز الشراكات

ينبغي أن تُطرح مبادرات إصلاح الاقتصاد المصري على الشركات العالمية الكبرى في مختلف القطاعات، مع التركيز على الشركات التي تمتلك:

  • تكنولوجيا متقدمة (Know How).
  • حصة سوقية قوية عالميًا.
  • سمعة موثوقة.

ويقترح أن يتم تكوين شركات جديدة بحصص أغلبية للمستثمرين العالميين (مثلاً 70%)، مع إتاحة الفرصة للقطاع الخاص المصري والحكومة بالمساهمة بالنسبة المتبقية. ويمكن تشكيل مجلس أعلى غير حكومي لتنسيق ومتابعة هذه الشراكات لضمان التنفيذ الفعّال.

إن التحول من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي في مصر خطوة معقدة تتطلب دراسة متأنية، مع الأخذ في الاعتبار التجارب السابقة والتحديات المجتمعية والاقتصادية. كما يجب التركيز على إصلاح هيكل الاقتصاد وتعزيز قدرته التنافسية عالميًا لجذب الاستثمارات المستدامة وتحقيق التنمية الشاملة.

شارك المقال
د. محمد محمد فخرى مكى
استاذ تكنولوجيا المعلومات كلية التجارة – جامعة الزقازيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top